في عام 1873 ولد ولي الدين يكن واسمه الكامل محمد ولي الدين يكن في الآستانة بإسطنبول، وما ان بلغ من العمر عهد البراعم وما ان اذنت امام قلبه بالتفتح، حتى جرت المقادير في أعنتها فانتزعت العائلة من شطان البوسفور وأودعتها وادي النيل.
ولي الدين يكن – قصة حياة الأديب التركي الذي عشق العرب
فكتب على الفتى – وكان يومذاك في نحو الثالثة – أن يبقى، ما عاش، أسير وطنين:
وطن ناغاه حين أبصر النور وتجمع له فيه تراث من المجد، ووطن ثان حباً في أرضه طفلاً ونعم بدفء العناية فتياً، وترعرع تحت سمائه على الحرية.
وهكذا قيّض للعربية أن يستعرب ولي الدين، فيضيف الى أمجاد بيانها أمجاداً.
وهو القائل: “أنا تركي، وأبغض عباد الله إليّ تركي يعتدي”. أحب العرب حباً خالط الروح وجري الدم في العروق. والده حسن سري باشا، وجدّه إبراهيم باشا يكن ابن أخت محمد علي الكبير. وإبراهيم باشا قاد جند اليمن وقد خصّه ولي الدين بكلمة طيبة فقد قال معتزّاً: وما كاتب هذه السطور إلا حفيده…
عكف ولي الدين يكن في مصر على الدراسة فأكبّ على أصول العربية وما لبث أن توفّي والده وهو لم يتجاوز السادسة من عمره فكفله عمه علي حيدر باشا وزير المالية المصرية حينها.
ثم أدخل الى مدرسة الأنجال في عابدين وهي مدرسة أسسها الخديوي محمد توفيق باشا لتعليم ابنائه وابناء بعض الاعيان، فدرس فيها مع الخديوي عباس. أتقن اللغات العربية والتركية والفرنسية، وألمّ بالانكليزية وأحاط بالعلوم إحاطة وثيقة.
ما إن أتمّ ولي الدين يكن تحصيله حتى انصرف الى دولة القلم فكتب في بعض الصحف (كالقاهرة) و(المقياس) منشئاً ومراسلاً. وفي تلك الأثناء صرف الى الوظيفة، فعيّن في النيابة العامة الأهلية ثم في القسم الأجنبي في المعيّة السنية.
وبين عام 1895 وعام 1896 زار ولي الدين الأستانة فأقام فيها سنة كاملة ثم عاد الى مصر، حيث أنشأ جريدة “الاستقامة” مطالباً فيها برفع الطغيان عن كواهل العثمانيين وساعياً الى إلغاء تأثير السلطة في تركيا. فكان من أبرز أعلام الرعيل العثماني الحرّ الذي تمركز خارج تركيا في مصر وأوروبا لكن الحكومة التركية لم تكن لترحب صدراً بكلام ولي الدين القاسي، فمنعت دخول جريدة “الاستقامة” الى البلاد العثمانية فأضطر حينها ولي الدين الى تعطيل جريدته عام 1897.
لكن ولي الدين يكن بقي مع أصحابه يفضحون أساليب السياسة التركية، حتى اتصل أحد المبعوثين بولي الدين يعرض عليه التوجه الى الآستانة والإقامة فيها، لم يكن مطمئناً وخاف أن يكون وراء الأمر مكر جديد. وهو الذي وهب نفسه للقضية الوطنية الكبرى، وقد غلب الاعتدال عند ولي الدين حتى أطلّ على الاستانة من جديد حتى تمّ تعيينه عضواً في جمعية أمانة الروسومات. فاذا به أمام لغة الأرقام التي لا يفقه لها معنى، فأرسل الى السلطان رسالة برقية يسأله فيها نقله الى وظيفة يحسن القيام بها، فصدرت الإرادة السلطانية بذلك وخرج ميمماً نظارة المعارف.
لكن حظه في دائرة المعارف لم يكن أقل سوءاً من حظه في الوظيفة السابقة، لأن الجهل هنا كان مطبقاً كما كان هناك. فانطلقت نذائر الشؤم في حياة الأديب يوم هرب أخوه يوسف حمدي يكن إلى مصر.
سألوه عن أخيه واتهموه بمساندة جمعية سرية ليوقعوا به، وبثوا الجواسيس حوله واعترضوا سبيله كل ما سعى به ليخرجوه.
وفي أحد الايام بينما كان في الطريق لحق به أحد رجال الشرطة وأمره بأن يمضي معه الى المتصرف فرفض، فاقتاده بالقوة حيث أحتبس في دار المتصرفية ثم الى سيواس.
قضى ولي الدين في المنفى سبع سنوات عرف خلالها ظلم الحكام، ولما أعلن الدستور العثماني سنة 1908 انتقل حراً الى الأستانة حيث مكث قليلا ثم الى مصر.
فانصرف الى قلمه يستمليه الفصول الرائعة وراح ينشر في صحف المقطّم والأهرام والرائد وفي مجلة الزهور التي اختصها بقصائده ومقالاته أربع سنوات.
وتولى في تلك الحقبة رئاسة تحرير جريدة “الأقدام” التي اصدرتها في الاسكندرية الاميرة الكسندرة افرينوه دي فيزنيوسكا صاحبة مجلة أنيس الجليس. وكانت تلك المواسم الادبية من أخصب ما شهدته بيادر ولي الدين: فقد نشر كتابه المعلوم والمجهول ونقل إلى العربية “خواطر نيازي” وهو كتاب وضعه أحمد النيازي أحد قادة الانقلاب العثماني.
كما وعيّن وزيراً في وزارة الحقانية المصرية فبقي في منصبه حتى عام 1914. وفي السنة عينها عينه السلطان حسين كامل سكرتيراً عربياً في الديوان السلطاني وأنعم عليه.
لكن صحته ساءت واشتد عليه مرض الربو، واضطراباً في القلب وانقطاعاً في الأنفاس وفي تلك الأثناء ترجم رواية “الطلاق” للكاتب الفرنسي بول بورجيه.
توفي عام 1921 وكان قد نظم هذان البيتان اللذان وجدا قرب سريره:
يا جسدا قد ذاب حتى امحى الا قليلا عالقا بالشقاء
أعانك الله بصبر على ما ستعاني من قليل البقاء
دفن في قرافة الامام على مقربة من قبر ابن الفارض الشاعر الصوفي الشهير.
في نجومي المزيد من سير مشاهير الفكر والأدب، نقترح عليك مطالعة قصة حياة عباس محمود العقاد الأديب المصري الشهير.
إذا اعجبتك هذه المقالة لا تنس مشاركة الرابط الخاص بها على صفحاتك في مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، جوجل بلاس..) لنشر المعلومة وتعميم الفائدة.
أكتب تعليقك ورأيك