المتنبي الشاعر الكوفي العربي ذو الموهبة الأدبية النادرة.
المتنبي – قصة حياة أبو الطيب المتنبي شاعر الأدب العربي وملكه
صاحب اللغة الفصيحة ونابغة عصره، من أعرق شعراء العرب.
أحمد بن الحسين بن عنبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي.
ولد في الكوفة عام 915م،عرف بأنه من أشهر شعراء الوطن العربي، نشأ في كنف بلاط سيف الدولة الحمداني في مدينة حلب.
تميز بمدح الملوك والأمراء ووصف المعارك بحنكة وذكاء وبلاغة وفصاحة لا مثيل لها.
بات شعره مفخرة للعرب وحقق شهرة عالية وامتد صيته ليشمل كافة الاقطار العربية.
حينما نذكر المتنبي يطرأ على الأذهان صورة الشعر المهذب والمهندمـ الراقي والمذهب بأجمل عبارات اللغة العربية الأدبية الفصيحة.
المتنبي معروف بذكائه وطموحه الذي لا مثيل له، دائما ما كان يفتخر بكونه عربي الأصل، إنه الشاعر العملاق الحافل بمسيرته الأدبية العريقة.
ترك أكثر من 326 قصيدة شعرية أغنت بذلك الادب العربي.
في ظل تفكك الدولة العباسية والصراعات السياسية التي عاشها العرب آنذاك، كان للشعراء مكانة كبيرة لدى أمراء العرب، فكان الشاعر يمدح الامير تأييدا ومناصرة له.
إلا أن المتنبي لم يستطع أن يلتزم مع أمير وظل هائما من بلد إلى آخر حتى استقر في انطاكية حبث تواصل معه أبو العشائر وهو ابن عم سيف الدولة الحمداني أمير حلب، وتم الإتفاق بين المتنبي والحمداني بأن يمدحه الأول بشعره شرط ألا يقف أمامه وأن يظل جالسا على مقعده وهو يلقي شعره فقبل سيف الدولة.
بذلك صار المتنبي من شعراء بلاط سيف الدولة في حلب.
كان الأمير كريما مع المتنبي وأهداه الكثير من الجوائز القيمة على شعره المميز وقصائده الرائعة، نشأت بينهما المودة والاحترام.
قام بخوض المعارك مع سيف الدولة ووصفها في شعره وما آلت إليه من كر وفر.
كانت لهذه المودة والالفة التي غطت على علاقتهما أثرها على الحاسدين والمتآمرين على المتنبي.
بدأ الحقد يسري في بلاط الأمير وبدأت التسريبات تصل اليه عن أن المتنبي غير راض عن مكافآته.
أبرز حادثة هي كانت الاعتداء الذي قام به ابن خالويه على المتنبي إذ قام برمي دواة الحبر بوجهه بحضور الأمير الذي لم يحرك ساكنا لإنصاف صديقه وشاعره المفضل.
الأمر الذي أدى الى مغادرته للقصر والمضي في طريقه.
الأمر الآخر الذي يزعمه المقربون منهم بأن حقد الأمير له بدأ نتيجة محبة المتنبي لشقيقة سيف الدولة ورثاها بعبارات غزلية كوصف لمبسمها الأمر الذي أدى الى توتر العلاقة بينهما.
غادر المتنبي بلاط سيف الدولة بعد 9 سنوات من العشرة وهو غير كاره له ولا حاقد عليه وانما عاتبا عليه وكارها للجو الحاسد الذي كان يحيطه.
غادر حلب وفي قلبه حب لأميرها ومن ثم أقام في مصر.
قام بمدح كافور الإخشيدي وقال عنه:
أُغالِبُ فيكَ الشّوْقَ وَالشوْقُ أغلَبُ | وَأعجبُ من ذا الهجرِ وَالوَصْلُ أعجبُ |
أمَا تَغْلَطُ الأيّامُ فيّ بأنْ أرَى | بَغيضاً تُنَائي أوْ حَبيباً تُقَرّبُ |
وَلله سَيْرِي مَا أقَلّ تَئِيّةً | عَشِيّةَ شَرْقيّ الحَدَالى وَغُرَّبُ |
عَشِيّةَ أحفَى النّاسِ بي مَن جفوْتُهُ | وَأهْدَى الطّرِيقَينِ التي أتَجَنّبُ |
وَكَمْ لظَلامِ اللّيْلِ عِندَكَ من يَدٍ | تُخَبِّرُ أنّ المَانَوِيّةَ تَكْذِبُ |
وَقَاكَ رَدَى الأعداءِ تَسْري إلَيْهِمُ | وَزَارَكَ فيهِ ذو الدّلالِ المُحَجَّبُ |
وَيَوْمٍ كَلَيْلِ العَاشِقِينَ كمَنْتُهُ | أُرَاقِبُ فيهِ الشّمسَ أيّانَ تَغرُبُ |
وَعَيْني إلى أُذْنَيْ أغَرَّ كَأنّهُ | منَ اللّيْلِ باقٍ بَينَ عَيْنَيْهِ كوْكبُ |
لَهُ فَضْلَةٌ عَنْ جِسْمِهِ في إهَابِهِ | تَجيءُ على صَدْرٍ رَحيبٍ وَتذهَبُ |
شَقَقْتُ بهِ الظّلْماءَ أُدْني عِنَانَهُ | فيَطْغَى وَأُرْخيهِ مراراً فيَلْعَبُ |
وَأصرَعُ أيّ الوَحشِ قفّيْتُهُ بِهِ | وَأنْزِلُ عنْهُ مِثْلَهُ حينَ أرْكَبُ |
وَما الخَيلُ إلاّ كالصّديقِ قَليلَةٌ | وَإنْ كَثُرَتْ في عَينِ مَن لا يجرّبُ |
إذا لم تُشاهِدْ غَيرَ حُسنِ شِياتِهَا | وَأعْضَائِهَا فالحُسْنُ عَنكَ مُغَيَّبُ |
لحَى الله ذي الدّنْيا مُناخاً لراكبٍ | فكُلُّ بَعيدِ الهَمّ فيهَا مُعَذَّبُ |
ألا لَيْتَ شعري هَلْ أقولُ قَصِيدَةً | فَلا أشْتَكي فيها وَلا أتَعَتّبُ |
وَبي ما يَذودُ الشّعرَ عني أقَلُّهُ | وَلَكِنّ قَلبي يا ابنَةَ القَوْمِ قُلَّبُ |
وَأخْلاقُ كافُورٍ إذا شِئْتُ مَدْحَهُ | وَإنْ لم أشأْ تُملي عَليّ وَأكْتُبُ |
إذا تَرَكَ الإنْسَانُ أهْلاً وَرَاءَهُ | وَيَمّمَ كافُوراً فَمَا يَتَغَرّبُ |
فَتًى يَمْلأ الأفْعالَ رَأياً وحِكْمَةً | وَنَادِرَةً أحْيَانَ يَرْضَى وَيَغْضَبُ |
إذا ضرَبتْ في الحرْبِ بالسّيفِ كَفُّهُ | تَبَيَّنْتَ أنّ السّيفَ بالكَفّ يَضرِبُ |
تَزيدُ عَطَاياهُ على اللّبْثِ كَثرَةً | وَتَلْبَثُ أمْوَاهُ السّحابِ فَتَنضُبُ |
أبا المِسْكِ هل في الكأسِ فَضْلٌ أنالُه | فإنّي أُغَنّي منذُ حينٍ وَتَشرَبُ |
وَهَبْتَ على مِقدارِ كَفّيْ زَمَانِنَا | وَنَفسِي على مِقدارِ كَفّيكَ تطلُبُ |
إذا لم تَنُطْ بي ضَيْعَةً أوْ وِلايَةً | فَجُودُكَ يَكسُوني وَشُغلُكَ يسلبُ |
يُضاحِكُ في ذا العِيدِ كُلٌّ حَبيبَهُ | حِذائي وَأبكي مَنْ أُحِبّ وَأنْدُبُ |
أحِنُّ إلى أهْلي وَأهْوَى لِقَاءَهُمْ | وَأينَ مِنَ المُشْتَاقِ عَنقاءُ مُغرِبُ |
فإنْ لم يكُنْ إلاّ أبُو المِسكِ أوْ هُمُ | فإنّكَ أحلى في فُؤادي وَأعْذَبُ |
وكلُّ امرىءٍ يولي الجَميلَ مُحَبَّبٌ | وَكُلُّ مَكانٍ يُنْبِتُ العِزَّ طَيّبُ |
يُريدُ بكَ الحُسّادُ ما الله دافِعٌ | وَسُمْرُ العَوَالي وَالحَديدُ المُذرَّبُ |
وَدونَ الذي يَبْغُونَ ما لوْ تخَلّصُوا | إلى المَوْتِ منه عشتَ وَالطّفلُ أشيبُ |
إذا طَلَبوا جَدواكَ أُعطوا وَحُكِّموا | وَإن طلَبوا الفضْلَ الذي فيك خُيِّبوا |
وَلَوْ جازَ أن يحوُوا عُلاكَ وَهَبْتَهَا | وَلكِنْ منَ الأشياءِ ما ليسَ يوهَبُ |
وَأظلَمُ أهلِ الظّلمِ مَن باتَ حاسِداً | لمَنْ بَاتَ في نَعْمائِهِ يَتَقَلّبُ |
وَأنتَ الذي رَبّيْتَ ذا المُلْكِ مُرْضَعاً | وَلَيسَ لَهُ أُمٌّ سِواكَ وَلا أبُ |
وَكنتَ لَهُ لَيْثَ العَرِينِ لشِبْلِهِ | وَمَا لكَ إلاّ الهِنْدُوَانيّ مِخْلَبُ |
لَقِيتَ القَنَا عَنْهُ بنَفْسٍ كريمَةٍ | إلى الموْتِ في الهَيجا من العارِ تهرُبُ |
وَقد يترُكُ النّفسَ التي لا تَهابُهُ | وَيَخْتَرِمُ النّفسَ التي تَتَهَيّبُ |
وَمَا عَدِمَ اللاقُوكَ بَأساً وَشِدّةً | وَلَكِنّ مَنْ لاقَوْا أشَدُّ وَأنجَبُ |
ثنَاهم وَبَرْقُ البِيضِ في البَيض صَادقٌ | عليهم وَبَرْقُ البَيض في البِيض خُلَّبُ |
سَلَلْتَ سُيوفاً عَلّمتْ كلَّ خاطِبٍ | على كلّ عُودٍ كيفَ يدعو وَيخطُبُ |
وَيُغنيكَ عَمّا يَنسُبُ النّاسُ أنّهُ | إلَيكَ تَنَاهَى المَكرُماتُ وَتُنسَبُ |
وَأيُّ قَبيلٍ يَسْتَحِقّكَ قَدْرُهُ | مَعَدُّ بنُ عَدنانٍ فِداكَ وَيَعرُبُ |
وَمَا طَرَبي لمّا رَأيْتُكَ بِدْعَةً | لقد كنتُ أرْجُو أنْ أرَاكَ فأطرَبُ |
وَتَعْذُلُني فيكَ القَوَافي وَهِمّتي | كأنّي بمَدْحٍ قَبلَ مَدْحِكَ مُذنِبُ |
وَلَكِنّهُ طالَ الطّريقُ وَلم أزَلْ | أُفَتّش عَن هَذا الكَلامِ وَيُنْهَبُ |
فشَرّقَ حتى ليسَ للشّرْقِ مَشرِقٌ | وَغَرّبَ حتى ليسَ للغرْبِ مَغْرِبُ |
إذا قُلْتُهُ لم يَمْتَنِعْ مِن وُصُولِهِ | جِدارٌ مُعَلًّى أوْ خِبَاءٌ مُطَنَّبُ |
وقال ايضا:
مُنًى كُنّ لي أنّ البَياضَ خِضابُ | فيَخفَى بتَبييضِ القُرونِ شَبَابُ |
لَيَاليَ عندَ البِيضِ فَوْدايَ فِتْنَةٌ | وَفَخْرٌ وَذاكَ الفَخْرُ عنديَ عابُ |
فكَيْفَ أذُمُّ اليَوْمَ ما كنتُ أشتَهي | وَأدْعُو بِمَا أشْكُوهُ حينَ أُجَابُ |
جلا اللّوْنُ عن لوْنٍ هدى كلَّ مسلكٍ | كمَا انجابَ عن ضَوْءِ النّهارِ ضَبابُ |
وَفي الجسْمِ نَفسٌ لا تَشيبُ بشَيْبِهِ | وَلَوْ أنّ مَا في الوَجْهِ منهُ حِرَابُ |
لهَا ظُفُرٌ إنْ كَلّ ظُفْرٌ أُعِدُّهُ | وَنَابٌ إذا لم يَبْقَ في الفَمِ نَابُ |
يُغَيِّرُ مني الدّهرُ ما شَاءَ غَيرَهَا | وَأبْلُغُ أقصَى العُمرِ وَهيَ كَعابُ |
وَإنّي لنَجْمٌ تَهْتَدي صُحبَتي بِهِ | إذا حالَ مِنْ دونِ النّجومِ سَحَابُ |
غَنيٌّ عَنِ الأوْطانِ لا يَستَخِفُّني | إلى بَلَدٍ سَافَرْتُ عنهُ إيَابُ |
وَعَنْ ذَمَلانِ العِيسِ إنْ سامَحتْ بهِ | وَإلاّ فَفي أكْوَارِهِنّ عُقَابُ |
وَأصْدَى فلا أُبْدي إلى الماءِ حاجَةً | وَللشّمسِ فوقَ اليَعمَلاتِ لُعابُ |
وَللسرّ مني مَوْضِعٌ لا يَنَالُهُ | نَديمٌ وَلا يُفْضِي إلَيْهِ شَرَابُ |
وَللخَوْدِ منّي ساعَةٌ ثمّ بَيْنَنَا | فَلاةٌ إلى غَيرِ اللّقَاءِ تُجَابُ |
وَمَا العِشْقُ إلاّ غِرّةٌ وَطَمَاعَةٌ | يُعَرّضُ قَلْبٌ نَفْسَهُ فَيُصَابُ |
وَغَيرُ فُؤادي للغَوَاني رَمِيّةٌ | وَغَيرُ بَنَاني للزّجَاجِ رِكَابُ |
تَرَكْنَا لأطْرَافِ القَنَا كُلَّ شَهْوَةٍ | فَلَيْسَ لَنَا إلاّ بهِنّ لِعَابُ |
نُصَرّفُهُ للطّعْنِ فَوْقَ حَوَادِرٍ | قَدِ انْقَصَفَتْ فيهِنّ منهُ كِعَابُ |
أعَزُّ مَكانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سابحٍ | وَخَيرُ جَليسٍ في الزّمانِ كِتابُ |
وَبَحْرُ أبي المِسْكِ الخِضَمُّ الذي لَهُ | عَلى كُلّ بَحْرٍ زَخْرَةٌ وَعُبابُ |
تَجَاوَزَ قَدْرَ المَدْحِ حتى كأنّهُ | بأحْسَنِ مَا يُثْنى عَلَيْهِ يُعَابُ |
وَغالَبَهُ الأعْداءُ ثُمّ عَنَوْا لَهُ | كمَا غَالَبَتْ بيضَ السّيوفِ رِقابُ |
وَأكْثرُ مَا تَلْقَى أبَا المِسْكِ بِذْلَةً | إذا لم تَصُنْ إلاّ الحَديدَ ثِيَابُ |
وَأوْسَعُ ما تَلقاهُ صَدْراً وَخَلْفَهُ | رِمَاءٌ وَطَعْنٌ وَالأمَامَ ضِرَابُ |
وَأنْفَذُ ما تَلْقَاهُ حُكْماً إذا قَضَى | قَضَاءً مُلُوكُ الأرْضِ مِنه غِضَابُ |
يَقُودُ إلَيْهِ طاعَةَ النّاسِ فَضْلُهُ | وَلَوْ لم يَقُدْهَا نَائِلٌ وَعِقَابُ |
أيَا أسَداً في جِسْمِهِ رُوحُ ضَيغَمٍ | وَكَمْ أُسُدٍ أرْوَاحُهُنّ كِلابُ |
وَيَا آخِذاً من دَهْرِهِ حَقَّ نَفْسِهِ | وَمِثْلُكَ يُعْطَى حَقَّهُ وَيُهابُ |
لَنَا عِنْدَ هذا الدّهْرِ حَقٌّ يَلُطّهُ | وَقَدْ قَلّ إعْتابٌ وَطَالَ عِتَابُ |
وَقَد تُحدِثُ الأيّامُ عِندَكَ شيمَةً | وَتَنْعَمِرُ الأوْقاتُ وَهيَ يَبَابُ |
وَلا مُلْكَ إلاّ أنتَ وَالمُلْكُ فَضْلَةٌ | كأنّكَ سَيفٌ فيهِ وَهْوَ قِرَابُ |
أرَى لي بقُرْبي منكَ عَيْناً قَريرَةً | وَإنْ كانَ قُرْباً بالبِعَادِ يُشَابُ |
وَهَل نافِعي أنْ تُرْفَعَ الحُجبُ بَيْنَنا | وَدونَ الذي أمّلْتُ مِنْكَ حِجابُ |
أُقِلُّ سَلامي حُبَّ ما خَفّ عَنكُمُ | وَأسكُتُ كَيمَا لا يَكونَ جَوَابُ |
وَفي النّفسِ حاجاتٌ وَفيكَ فَطَانَةٌ | سُكُوتي بَيَانٌ عِنْدَها وَخِطابُ |
وَمَا أنَا بالباغي على الحُبّ رِشْوَةً | ضَعِيفُ هَوًى يُبْغَى عَلَيْهِ ثَوَابُ |
وَمَا شِئْتُ إلاّ أنْ أدُلّ عَوَاذِلي | عَلى أنّ رَأيي في هَوَاكَ صَوَابُ |
وَأُعْلِمَ قَوْماً خَالَفُوني فشَرّقُوا | وَغَرّبْتُ أنّي قَدْ ظَفِرْتُ وَخَابُوا |
جَرَى الخُلْفُ إلاّ فيكَ أنّكَ وَاحدٌ | وَأنّكَ لَيْثٌ وَالمُلُوكُ ذِئَابُ |
وَأنّكَ إنْ قُويِسْتَ صَحّفَ قارِىءٌ | ذِئَاباً وَلم يُخطىءْ فَقالَ ذُبَابُ |
وَإنّ مَديحَ النّاسِ حَقٌّ وَبَاطِلٌ | وَمَدْحُكَ حَقٌّ لَيسَ فيهِ كِذابُ |
إذا نِلْتُ مِنكَ الوُدّ فالمَالُ هَيّنٌ | وَكُلُّ الذي فَوْقَ التّرَابِ تُرَابُ |
وَمَا كُنْتُ لَوْلا أنتَ إلاّ مُهاجِراً | لَهُ كُلَّ يَوْمٍ بَلْدَةٌ وَصِحَابُ |
وَلَكِنّكَ الدّنْيَا إليّ حَبيبَةً | فَمَا عَنْكَ لي إلاّ إلَيْكَ ذَهَابُ |
حتى خاف منه كافور لتصعيده في الشعر وأن يصل الى الملك بذلك، فهجاه المتنبي وغادر الى بغداد، وكان يوم مغادرته مصر عيد، فقال فيه قصيدته المشهورة:
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ | بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ |
أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ | فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ |
لَوْلا العُلى لم تجُبْ بي ما أجوبُ بهَا | وَجْنَاءُ حَرْفٌ وَلا جَرْداءُ قَيْدودُ |
وَكَانَ أطيَبَ مِنْ سَيفي مُعانَقَةً | أشْبَاهُ رَوْنَقِهِ الغِيدُ الأمَاليدُ |
لم يَترُكِ الدّهْرُ مِنْ قَلبي وَلا كبدي | شَيْئاً تُتَيّمُهُ عَينٌ وَلا جِيدُ |
يا سَاقِيَيَّ أخَمْرٌ في كُؤوسكُما | أمْ في كُؤوسِكُمَا هَمٌّ وَتَسهيدُ؟ |
أصَخْرَةٌ أنَا، ما لي لا تُحَرّكُني | هَذِي المُدامُ وَلا هَذي الأغَارِيدُ |
إذا أرَدْتُ كُمَيْتَ اللّوْنِ صَافِيَةً | وَجَدْتُهَا وَحَبيبُ النّفسِ مَفقُودُ |
ماذا لَقيتُ منَ الدّنْيَا وَأعْجَبُهُ | أني بمَا أنَا شاكٍ مِنْهُ مَحْسُودُ |
أمْسَيْتُ أرْوَحَ مُثْرٍ خَازِناً وَيَداً | أنَا الغَنيّ وَأمْوَالي المَوَاعِيدُ |
إنّي نَزَلْتُ بكَذّابِينَ، ضَيْفُهُمُ | عَنِ القِرَى وَعَنِ الترْحالِ محْدُودُ |
جودُ الرّجالِ من الأيدي وَجُودُهُمُ | منَ اللّسانِ، فَلا كانوا وَلا الجُودُ |
ما يَقبضُ المَوْتُ نَفساً من نفوسِهِمُ | إلاّ وَفي يَدِهِ مِنْ نَتْنِهَا عُودُ |
أكُلّمَا اغتَالَ عَبدُ السّوْءِ سَيّدَهُ | أوْ خَانَهُ فَلَهُ في مصرَ تَمْهِيدُ |
صَارَ الخَصِيّ إمَامَ الآبِقِينَ بِهَا | فالحُرّ مُسْتَعْبَدٌ وَالعَبْدُ مَعْبُودُ |
نَامَتْ نَوَاطِيرُ مِصرٍ عَنْ ثَعَالِبِها | فَقَدْ بَشِمْنَ وَما تَفنى العَنَاقيدُ |
العَبْدُ لَيْسَ لِحُرٍّ صَالِحٍ بأخٍ | لَوْ أنّهُ في ثِيَابِ الحُرّ مَوْلُودُ |
لا تَشْتَرِ العَبْدَ إلاّ وَالعَصَا مَعَهُ | إنّ العَبيدَ لأنْجَاسٌ مَنَاكِيدُ |
ما كُنتُ أحْسَبُني أحْيَا إلى زَمَنٍ | يُسِيءُ بي فيهِ عَبْدٌ وَهْوَ مَحْمُودُ |
ولا تَوَهّمْتُ أنّ النّاسَ قَدْ فُقِدوا | وَأنّ مِثْلَ أبي البَيْضاءِ مَوْجودُ |
وَأنّ ذا الأسْوَدَ المَثْقُوبَ مَشْفَرُهُ | تُطيعُهُ ذي العَضَاريطُ الرّعاديد |
جَوْعانُ يأكُلُ مِنْ زادي وَيُمسِكني | لكَيْ يُقالَ عَظيمُ القَدرِ مَقْصُودُ |
وَيْلُمِّهَا خُطّةً وَيْلُمِّ قَابِلِهَا | لِمِثْلِها خُلِقَ المَهْرِيّةُ القُودُ |
وَعِنْدَها لَذّ طَعْمَ المَوْتِ شَارِبُهُ | إنّ المَنِيّةَ عِنْدَ الذّلّ قِنْديدُ |
مَنْ عَلّمَ الأسْوَدَ المَخصِيّ مكرُمَةً | أقَوْمُهُ البِيضُ أمْ آبَاؤهُ الصِّيدُ |
أمْ أُذْنُهُ في يَدِ النّخّاسِ دامِيَةً | أمْ قَدْرُهُ وَهْوَ بالفِلْسَينِ مَرْدودُ |
أوْلى اللّئَامِ كُوَيْفِيرٌ بمَعْذِرَةٍ | في كلّ لُؤمٍ، وَبَعضُ العُذرِ تَفنيدُ |
وَذاكَ أنّ الفُحُولَ البِيضَ عاجِزَةٌ | عنِ الجَميلِ فكَيفَ الخِصْيةُ السّودُ؟ |
قام بمدح العديد من الملوك والأمراء خلال مسيرته بين أقطار الدولة العربية، منها أمراء الشام، العراق وفارس، تمثلت قصائده بتجسيد الصور الحية للعصر الذي عاشه المتنبي، يصف الثورات والحروب والإضطرابات والمذاهب التي كانت في هذا العصر.
جملها بأروع العبارات والألفاظ الأدبية، كحلها بأجمل الإستعارات والإيجازات الشعرية.
أغنى يشعره وقصائده الأدب العربي ومفرداته.
عندما نتحدث عن الأدب العربي نجد المتنبي ملتصقا به، هو بحد ذاته موسوعة عربية ومفخرة للعرب لما أفضى على اللغة العربية من روعة وأناقة.
أعظم شعراء العرب هو، أكثرهم تمكنا بقواعدها وألفاظها.
رثى العديد من الشعراء الناقمين عليه والحاسدين له.وقال عنهم:
دُرُوعٌ لمَلْكِ الرّومِ هذي الرّسائِلُ | يَرُدّ بهَا عَنْ نَفْسِهِ وَيُشَاغِلُ |
هيَ الزّرَدُ الضّافي علَيْهِ وَلَفْظُها | عَلَيْكَ ثَنَاءٌ سَابِغٌ وَفَضائِلُ |
وَأنّى اهْتَدَى هذا الرّسُولُ بأرْضِهِ | وَما سكَنَتْ مذْ سرْتَ فيها القساطِلُ |
وَمن أيّ ماءٍ كانَ يَسقي جِيادَهُ | وَلم تَصْفُ مِن مَزْجِ الدّماءِ المَناهِلُ |
أتَاكَ يكادُ الرّأسُ يَجْحَدُ عُنقَهُ | وَتَنْقَدّ تحتَ الدّرْعِ منهُ المَفَاصِلُ |
يُقَوِّمُ تَقْوِيمُ السِّماطَينِ مَشْيَهُ | إلَيكَ إذا ما عَوّجَتْهُ الأفَاكِلُ |
فَقَاسَمَكَ العَينَينِ منهُ وَلَحْظَهُ | سَمِيُّكَ وَالخِلُّ الذي لا تُزَايِلُ |
وَأبصَرَ منكَ الرّزْقَ وَالرّزْقُ مُطمِعٌ | وَأبصَرَ منهُ المَوْتَ وَالمَوْتُ هَائِلُ |
وَقَبّلَ كُمّاً قَبّلَ التُّرْبَ قَبْلَهُ | وَكُلُّ كَميٍّ وَاقِفٌ مُتَضائِلُ |
وَأسْعَدُ مُشتاقٍ وَأظْفَرُ طَالِبٍ | هُمَامٌ إلى تَقبيلِ كُمّكَ وَاصِلُ |
مَكانٌ تَمنّاهُ الشّفَاهُ وَدونَهُ | صُدورُ المَذاكي وَالرّماحُ الذّوَابِلُ |
فَما بَلّغَتْهُ ما أرَادَ كَرامَةٌ | عَلَيْكَ وَلَكِنْ لم يخِبْ لكَ سائِلُ |
وَأكْبَرَ مِنْهُ هِمّةً بَعَثَتْ بِهِ | إلَيْكَ العِدى وَاستَنظَرَته الجَحافِلُ |
فأقْبَلَ مِنْ أصْحابِهِ وَهوَ مُرْسَلٌ | وَعادَ إلى أصْحابِهِ وَهْوَ عاذِلُ |
تَحَيّرَ في سَيْفٍ رَبيعَةُ أصْلُهُ | وَطابِعُهُ الرّحْم?نُ وَالمَجدُ صاقِلُ |
وَمَا لَوْنُهُ مِمّا تُحَصّلُ مُقْلَةٌ | وَلا حَدُّهُ مِمّا تَجُسُّ الأنامِلُ |
إذا عايَنَتْكَ الرُّسْلُ هانَتْ نُفُوسُها | عَلَيْها وَما جاءَتْ بهِ وَالمُرَاسِلُ |
رَجَا الرّومُ مَنْ تُرْجى النّوَافلُ كلّها | لَدَيهِ وَلا تُرْجى لدَيهِ الطّوَائِلُ |
فإنْ كانَ خوْفُ القَتلِ وَالأسرِ ساقَهم | فقَد فعَلوا ما القَتلُ وَالأسرُ فاعِلُ |
فخافُوكَ حتى ما لقَتلٍ زِيادَةٌ | وَجاؤوكَ حتى ما تُرَادُ السّلاسِلُ |
أرَى كُلَّ ذي مُلْكٍ إلَيكَ مَصِيرُهُ | كأنّكَ بَحْرٌ وَالمُلُوكُ جَداوِلُ |
إذا مَطَرَتْ مِنهُمْ ومنكَ سَحائِبٌ | فَوَابِلُهُمْ طَلٌّ وَطَلُّكَ وَابِلُ |
كريمٌ متى اسْتُوهِبْتَ ما أنتَ رَاكبٌ | وَقد لَقِحتْ حَرْبٌ فإنّكَ نازِلُ |
أذا الجُودِ أعْطِ النّاسَ ما أنتَ مالكٌ | وَلا تُعْطِيَنّ النّاسَ ما أنَا قائِلُ |
أفي كلّ يوْمٍ تحتَ ضِبْني شُوَيْعِرٌ | ضَعيفٌ يُقاويني قَصِيرٌ يُطاوِلُ |
لِساني بنُطْقي صامِتٌ عنهُ عادِلٌ | وَقَلبي بصَمتي ضاحِكٌ منهُ هازِلُ |
وَأتْعَبُ مَنْ ناداكَ مَنْ لا تُجيبُهُ | وَأغيَظُ مَنْ عاداكَ مَن لا تُشاكلُ |
وَما التّيهُ طبّي فيهِمِ غَيرَ أنّني | بَغيضٌ إليّ الجاهِلُ المُتَعَاقِلُ |
وَأكْبَرُ تيهي أنّني بكَ وَاثِقٌ | وَأكْثَرُ مالي أنّني لَكَ آمِلُ |
لَعَلّ لسَيْفِ الدّوْلَةِ القَرْمِ هَبّةً | يَعيشُ بها حَقٌّ وَيَهلِكُ باطِلُ |
رَمَيْتُ عِداهُ بالقَوافي وَفَضْلِهِ | وَهُنّ الغَوَازي السّالماتُ القَوَاتِلُ |
وقَدْ زَعَمُوا أنّ النّجومَ خَوالِدٌ | وَلَوْ حارَبَتْهُ نَاحَ فيها الثّواكِلُ |
وَمَا كانَ أدْناها لَهُ لَوْ أرَادَهَا | وَألْطَفَهَا لَوْ أنّهُ المُتَنَاوِلُ |
قَريبٌ عَلَيْهِ كُلُّ ناءٍ على الوَرَى | إذا لَثّمَتْهُ بالغُبَارِ القَنَابِلُ |
تُدَبّرُ شرْقَ الأرْض وَالغرْبَ كَفُّهُ | وَلَيسَ لها وَقْتاً عنِ الجُودِ شَاغِلُ |
يُتَبِّعُ هُرّابَ الرّجالِ مُرَادَهُ | فَمَنْ فَرّ حَرْباً عارَضَتْهُ الغَوَائِلُ |
وَمَنْ فَرّ مِنْ إحْسَانِهِ حَسَداً لَهُ | تَلَقّاهُ منْهُ حَيثُما سارَ نَائِلُ |
فَتًى لا يَرَى إحْسانَهُ وَهْوَ كامِلٌ | لهُ كامِلاً حتى يُرَى وهوَ شَامِلُ |
إذا العَرَبُ العَرْباءُ رَازَتْ نُفُوسَها | فأنْتَ فَتَاهَا وَالمَليكُ الحُلاحِلُ |
أطاعَتْكَ في أرْوَاحِهَا وَتَصَرّفَتْ | بأمرِكَ وَالتَفّتْ عَلَيْكَ القَبَائِلُ |
وَكُلُّ أنَابِيبِ القَنَا مَدَدٌ لَهُ | وَما يَنكُتُ الفُرْسانَ إلاّ العَوَامِلُ |
رَأيتُك لوْ لم يَقتَضِ الطّعنُ في الوَغى | إلَيكَ انقِياداً لاقتَضَتْهُ الشّمائِلُ |
وَمَنْ لم تُعَلّمْهُ لكَ الذّلَّ نَفْسُهُ | منَ النّاسِ طُرّاً عَلّمَتْهُ المَناصِلُ |
قام بهجاء أشهر قطاع الطرق ضبة بن يزيد الأسدي العيني بقصيدة قاسية:
ما أنصف القوم ضبة | وأمه الطرطبة |
رموا برأس أبيه | وباكوا الأم غلبة |
فلا بمن مات فخر | ولا بمن نيك رغبة |
وإنما قلت ما قلـ | ـت رحمة لا محبة |
وحيلة لك حتى | عذرت لو كنت تأبه |
وما عليك من القتـ | ـل إنما هي ضربة |
وما عليك من الغد | ر إنما هو سبة |
وما عليك من العا | ر أن أمك قحبة |
وما يشق على الكلـ | ـب أن يكون ابن كلبة |
ما ضرها من أتاها | وإنما ضر صلبه |
ولم ينكها ولكن | عجانها ناك زبه |
يلوم ضبة قوم | ولا يلومون قلبه |
وقلبه يتشهى | ويلزم الجسم ذنبه |
لو أبصر الجذع شيئا | أحب في الجذع صلبه |
يا أطيب الناس نفسا | وألين الناس ركبة |
وأخبث الناس أصلا | في أخبث الأرض تربة |
وأرخص الناس أما | تبيع ألفا بحبة |
كل الفعول سهام | لمريم وهي جعبة |
وما على من به الدا | ء من لقاء الأطبة |
وليس بين هلوك | وحرة غير خطبة |
يا قاتلا كل ضيف | غناه ضيح وعلبة |
وخوف كل رفيق | أباتك الليل جنبه |
كذا خلقت ومن ذا الـ | ـذي يغالب ربه |
ومن يبالي بذم | إذا تعود كسبه |
أما ترى الخيل في النخـ | ـل سربة بعد سربة |
على نسائك تجلو | فعولها منذ سنبة |
وهن حولك ينظر | ن والأحيراح رطبة |
وكل غرمول بغل | يرين يحسدن قنبه |
فسل فؤادك يا ضبـ | ـب أين خلف عجبه |
وإن يخنك لعمري | لطالما خان صحبه |
وكيف ترغب فيه | وقد تبينت رعبه |
ما كنت إلا ذبابا | نفتك عنا مذبه |
وكنت تفخر تيها | فصرت تضرط رهبة |
وإن بعدنا قليلا | حملت رمحا وحربة |
وقلت ليت بكفي | عنان جرداء شطبة |
إن أوحشتك المعالي | فإنها دار غربة |
أو آنستك المخازي | فإنها لك نسبة |
وإن عرفت مرادي | تكشفت عنك كربة |
وإن جهلت مرادي | فإنه بك أشبه |
فما كان من ردة فعل ضبة إلا بإرسال خاله فاتك بن أبي جهل الأسدي وقتل المتنبي مع ابنه وغلامه وهما في طريق عودتهما الى الكوفة وبذلك توفي المتنبي في 23 سبتمبر عام 965 م.
شاهد قصة حياة المتنبي بالفيديو كما نشرناها على قناتنا في يوتيوب
في نجومي المزيد من سير مشاهير الأدب العربي، نقترح عليك مطالعة قصة حياة مصطفى صادق الرافعي معجزة الأدب.
إذا أعجبتك هذه المقالة لا تنس مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تويتر، جوجل بلاس.
أكتب تعليقك ورأيك