ولد السيد (محمد) عبداللطيف فتح الله في بيروت عام 1766م، في بيت درج على العلم، ودرج أهله أن يكون منصب الإفتاء فيهم منذ قرنين من الزمان.
عبداللطيف فتح الله – قصة حياة المفتي الشاعر عبداللطيف فتح الله
تلقّى العلم في بعض المدارس الدينية المتاحة، وعلى والده العلاّمة المفتي الشيخ علي أفندي فتح الله. وكان عبداللطيف بطبعه يميل إلى الشعر، ويلتذّ به ويطرب لسماعه، من حين كان غلاماً يافعاً إلى أن تعهّده قريبه الشيخ أحمد القحف، المشهور بالبربير، بالتأديب وبتعليمه قَرضَ الشعر، بعد أن قرأ عليه في فنون كثيرة من العلوم.
نظم عبداللطيف الشعر وله من العمر ثلاث عشرة سنة، وتوقّف بعد خمس سنوات عن نظم الشعر عندما بدأ استكمال دراسته العليا في معاهد دمشق الدينية الشهيرة، حوالي عام 1788م. عاد إلى بيروت سنة 1794 حاملاً في قلبه لدمشق، التي كانت منتجعه للعلم، كما حمل لأساتذته وأصدقائه ومعارفه فيها، حبّاً نقيّاً وودّاً صافياً، نلمسها من خلال وصفه لدمشق وأهلها.
تأثّر أيضاً بعدّة شخصيات وصفهم بلقب شيخنا تدليلاً لعلمهم وفضلهم، دون أن يكون قد تتلمذ عليهم، مثل “محيي الدين ابن عربي”. لكن لم يكتف السيد عبداللطيف فتح الله بالقدر والأنواع من العلوم العقلية، وبعلوم اللغة وتفرّعاتها، التي أخذها عن شيوخه في بيروت ودمشق بل سعى إلى تزويد نفسه ثقافة عامة واسعة، ظهرت في مختلف آثاره حيث نلحظ التنوّع والاتساع الشامل، كما نلحظ اهتمامه بالعلم من إقامة المجالس التعليمية الخاصة، التي كان يفرد بها بع المقرّبين والمريدين، والعامة التي كان يبيحها لسائر الطلبة يتابعونها في الحلقات التي كان يعقدها في المسجد الجامع وغيره من مواطن التدريس.
عاد الشاعر الشيخ السيد عبداللطيف من دمشق إلى مسقط رأسه “محروسة بيروت” ليحضر آخر يوم من مرض والده، المفتي السيد علي فتح الله، الذي توفي بعد وصول ابنه من دمشق بأقل من يوم واحد، وكان ذلك موعداً “لابتلائه” (كما يقول هو) بمنصب إفتاء بيروت، الذي قضى حياته شاكياً منه، معتبراً إيّاه قسمة قسمها الله له، وعليه أن يوفيها حقّها ولو خالفت ما كان يصبو إليه من نوع حياة، حتى ضاق بها أخيراً وحاول الاستعفاء منها دون جدوى. فقال:
“وصرت في قفص الإفتاء محتبساً فيه أغذى بمرّالهمّ والحزن”
كانت صفات المفتي عبداللطيف تشمل الثقة بالنفس والصراحة والحساسية المرهفة والشجاعة والجرأة والانفتاح المنطلق والترفّع والتعفّف والخلوّ من العقد النفسية. كما أنه كان يتمتع بمركز علمي عالٍ يظهر في أنه كان يندب من جانب الولاة للحكم والتحكيم في القضايا التي تعلق بين مختلف رجال الدين والإفتاء والقضاء وسائر المتقاضين.
إمتاز المفتي عبداللطيف بديوانه الشعري بشدة اتصاله بشخصه، حتى ليصحّ اعتباره ترجمة أدبية لحياة أحد الشعراء، أو مذكرات ذلك الشاعر عن أدباء وعلماء وأحداث عاشها. وإثباتاً لمشاعر وأحاسيس تستغرق كامل مشاعر وأحاسيس النفس البشرية. حاملاً روائع الزهديات والابتهالات وموشّحات الأدعية والتضرّعات إلى الله تعالى وإلى الانبياء والرّسل والصالحين، كاشفاً بذلك سرّ الوفرة في نتاج الغزل والتشبيب في الديوان.
استقال المفتي عبداللطيف فتح الله من منصبه في بيروت وسكن دمشق ثم عاد إلى بيروت وتوفي فيها عام 1844 م عن عمر يناهز ثمانين سنة.
في نجومي المزيد من سير مشاهير الدين والأدب، نقترح عليك مطالعة قصة حياة الإمام الشافعي .
إذا أعجبتك هذه المقالة لا تنس مشاركتها على صفحاتك في مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، جوجل بلاس).
أكتب تعليقك ورأيك