ولد الراهب الروسي غريغوري يافيموفيتش راسبوتين في 22 يناير 1869 ، في قرية ريفية اسمها بوكروفسكي تقع في سيبيريا ، وقد ظهرت عنده في عمر الطفولة رؤى دائمة عن القوى الالهية وقدرة خارقة على الشفاء ، حيث كانت لديه القدرة على أن يشفي الحصان عند لمسه ، لكن علاقاته الحميمية الفاضحة جعلته يكتسب لقب راسبوتين ومعناه بالروسية ( الفاجر ) ، حتى أنه عندما أصبح في الثلاثين من عمره كان لديه زوجة و4 أطفال ، لكن تعلق راسبوتين بالشراب وسرقته الجياد كان مناقضا للحياة الريفية في قريته ، حتى أنه اضطر في النهاية الى الهرب من هذه القرية بعد اتهامه بسرقة أحد الجياد ، لتكون هذه الحادثة نقطة التحول التي غيرت مجرى حياته ، حيث انه لجأ الى أحد الأديرة متخذا صفة الرهبانية ، هذه الصفة التي بقيت ملازمة له فيما بعد طوال حياته .
تأثر راسبوتين بتجاربه الروحانية ، وقد جال بعد رحيله عن قريته في العديد من المناطق داخل ارجاء روسيا وخارجها ، وكان يبقى فترات طويلة قد تصل لعدة شهور دون أن يبدل ملابسه أو يغتسل ، كما كان يقوم بارتداء القيود الحديدية زيادة في المعاناة ، وقد ساعدته الرحلة الدينية التي قام بها الى جبل أنوس في اليونان أن يكتسب أنصار لهم قوة ونفوذ مثل أسقف ساراتوري ( هيرموجن ) .
وفي أثناء رحلات راسبوتين هذه وقع تحت تأثير أحد الطوائف المتطرفة واسمها ( خاليستي ) تؤمن بالممارسات الحميمية غير الشرعية وبنزع الجلد ، وتميزت ممارسات راسبوتين الدينية بالجمع بين هذه الافعال الغير أخلاقية على صعيد الممارسات الحميمية وبين صفة الورع ، فكان يعتقد أن الانسان يستطيع أن يتقرب من الله بشكل أكبر بعد توبته الصادقة من هكذا أفعال يقوم بها بشكل متعمد .
وصوله للشهرة والنفوذ :
في عام 1903 كانت الطبقة الارستقراطية في سان بطرسبرغ مولعة بأمور التنجيم والسحر ، وكانت طرق تحضير الأرواح من الأمور المنتشرة والمألوفة هناك ، حتى أنه وصل كلام الى المدينة عن وجود قوى صوفية آتية من سيبيريا تملك عيون وحشية تضيء ، مما جعل دخول راسبوتين الى المدينة في ذلك الوقت امرا موفقا بالنسبة اليه .
جاء لقاء راسبوتين الأول مع القيصر نيقولا الثاني بعد تزكيته من قبل كاهن اعتراف الامبراطورة وبعض الرهبان الآخرين ، وقد اعرب القيصر بعد هذا الاجتماع عن سعادته باللقاء واصفا راسبوتين ( برجل الرّب ) ، كما أنه نجح كعهده مع النساء بترك انطباع ايجابي لدى الامبراطورة وخصوصا بعد أن نجح بتخفيف معاناة ونزيف وريث العرش الروسي من مرض الهيموفيليا ، هذا المرض الذي ورثه الامير عن أمه وقد مات عدد من الاشخاص في العائلة المالكة بسببه ، ليصبح راسبوتين بعد فترة المستشار الشخصي للإمبراطورة وبيت أسرارها ، وحدد له موعد أسبوعي للقائها . كما تقرب بشكل كبير من القيصر ، ليصبح من الأشخاص الذين لهم نفوذ كبير في القصر ، وله موقفه من مجمل القرارات التي تصدر من القصر على الصعيدين الداخلي والخارجي .
وقد استطاع راسبوتين بعد ازدياد شهرته أن يجذب الكثير من الأنصار من مختلف الطوائف الاجتماعية ، ليتطوع هؤلاء البلهاء ( كما اطلق عليهم ) بارتكاب الخطيئة حتى يستطيعوا التطهر من ذنوبهم ، لكن هذه الشهرة جذبت له الأعداء كذلك الأمر ، وخصوصا لمظاهر العربدة والسكر التي يعيشها مع فتيات الهوى خارج حدود القصر ، ليكلف بعض الأشخاص ذوي النفوذ الشرطة السرية بمراقبته .
رجع راسبوتين الى اسمه الاول وهو سيرغي تروفانوف بعد عودته الى قريته عام 1914 ، ليجمع حوله البعض من النساء والأنصار المتعصبين ، وهناك تعرض لمحاولة اغتيال من إحدى فتيات الليل التي طعنته في معدته ، مدعية أنه السبب في وصولها الى العمل كفتاة ليل كما شهدت عليه بأنه قام باغتصاب راهبة أمام ناظريها ، لينجو راسبوتين بأعجوبة بعد عملية دامت 6 ساعات .
موقفه من الحرب :
حاول راسبوتين مرارا وتكرارا أن يمنع القيصر من دخول الحرب العالمية الاولى ، وناصحا اياه بأن الكثير من الظلام والكوارث سيحل بالبلاد من جرائها وسيغرق الجميع بالدماء ، لكن الضغوط الكبيرة على القيصر ادخلته الحرب التي قتل فيها أكثر من 4 ملايين روسي ، ولكن مع غياب القيصر عن القصر بسبب الحرب ، كسب راسبوتين نفوذا كبيرا حيث ساهم في عزل وزراء وتعيين آخرين ، كما كان له نفوذ كبير على القرارات الداخلية في البلاد ، حتى ان البعض تداول شائعات تتمحور عن اتفاق راسبوتين مع الامبراطورة على عقد مصالحة مع المانيا بشكل منفصل وسري ، وقد سميت مدينة سان بطرسبرغ في تلك الفترة بسببه ( مدينة إبليس ) .
نبوءة راسبوتين ومقتله :
كتب راسبوتين في عام 1916 خطابا الى القيصر تنبأ فيه أنه سيقتل ، حيث قال ( إن قتلني أقاربك فلن يظل أحد من عائلتك حيا بعد عامين على الأكثر ، حيث سيقتل الشعب الروسي كل اولادك وأقاربك ، أنا سأقتل ولن يبقى لي وجود في الحياة ، صل وكن قويا ، صل أرجوك ، وفكر بعائلتك المصونة ) .
وقد قُتل بالفعل بعد هذا الخطاب بثلاثة وعشرين يوم من قبل أقارب القيصر ، حيث دسوا له السم في الشراب والطعام ، وعندما لم يؤثر فيه السم أطلقوا عليه النار وقاموا برميه في مياه نهر نيفا المتجمدة .ولتتحقق نبوءته بعد ذلك بتسعة عشر شهرا بقيام الثورة البلشفية واعدام القيصر وعائلته بأيادي الثوار البلشفيين.
إقرأ أيضاً: ديمتري ميدفيديف – سيرة رئيس روسيا السابق ورئيس وزرائها الحالي
أكتب تعليقك ورأيك