أخبار وتحليلات

التبادل التجاري بين الصين وامريكا: مسار الشراكة والصراع

التبادل التجاري بين الصين وامريكا
التبادل التجاري بين الصين وامريكا

التبادل التجاري بين الصين وامريكا: مسار الشراكة والصراع

منذ سبعينيات القرن الماضي، شهدت العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة تطورًا هائلًا. بدأت القصة مع إصلاحات الصين الاقتصادية وتصاعد التبادل التجاري بين البلدين، وصولًا إلى قفزة كبيرة بانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001. ولكن، بينما نمت هذه العلاقة، ظهرت العديد من القضايا المثيرة للجدل، مما أدى إلى صراع تجاري متواصل أثر على الاقتصاد العالمي.


التبادل التجاري: تطور وازدياد الفجوة

التبادل التجاري بين الصين وامريكا

التبادل التجاري بين الصين وامريكا

مع مرور الزمن، بات الميزان التجاري يميل لصالح الصين. في عام 2018، وصل العجز التجاري بين البلدين إلى رقم قياسي بلغ 420 مليار دولار. ووصفت الولايات المتحدة هذا العجز بالتهديد للاقتصاد الأمريكي، مشيرة إلى ممارسات صينية مثيرة للقلق مثل التحكم في سعر صرف العملة، ما يمنح الصادرات الصينية ميزة تنافسية.

التدخلات الأمريكية: قيود وضغوط متزايدة

منذ عهد جورج بوش الابن وحتى باراك أوباما، اتخذت الولايات المتحدة تدابير عديدة لحماية صناعاتها المحلية، مثل فرض الرسوم الجمركية على المنسوجات والصلب والألمنيوم الصيني. لكن، رغم هذه الجهود، استمر الاقتصاد الصيني في النمو بشكل كبير، مما أثار قلق الولايات المتحدة من تحول الصين إلى منافس سياسي واقتصادي عالمي.


عهد دونالد ترامب: بداية الحرب التجارية الشاملة

عندما تولى دونالد ترامب الرئاسة في عام 2016، تعهد بخفض العجز التجاري مع الصين، واصفًا سياساتها التجارية بـ”غير العادلة”. في مارس 2018، أعلن ترامب فرض رسوم جمركية بقيمة 50 مليار دولار على السلع الصينية. جاء الرد الصيني سريعًا بفرض رسوم جمركية على أكثر من 120 منتجًا أمريكيًا.

وفي عام 2019، رفعت الولايات المتحدة التعريفات الجمركية على بضائع صينية بقيمة 200 مليار دولار إلى 25%، مما صعّد المواجهة. هذا الصراع التجاري لم ينتهِ مع مغادرة ترامب للبيت الأبيض، إذ استمرت إدارة بايدن في تطبيق السياسات الحمائية، بل وأضافت قيودًا جديدة على صادرات التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين.


التكنولوجيا والحرب الاقتصادية

لم يقتصر الصراع الأمريكي الصيني على التجارة فحسب، بل امتد إلى مجال التكنولوجيا، حيث فرضت الولايات المتحدة قيودًا صارمة على شركات التكنولوجيا الصينية في قطاعات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات. وصفت هذه المواجهة بـ”حرب الرقائق”، حيث تسعى الولايات المتحدة لإبقاء الصين متأخرة جيلاً كاملًا في هذا المجال الحيوي.

الرد الصيني

ردًا على هذه السياسات، ضخت الصين استثمارات ضخمة لتطوير صناعات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. بحلول عام 2030، تسعى الصين لتصبح رائدة عالميًا في هذا المجال، مع دعم شركاتها الكبرى مثل تينسنت وعلي بابا وبايدو.


تأثير الصراع التجاري

رغم أن الرسوم الجمركية المفروضة على الصين تهدف لإضعاف اقتصادها، إلا أن النتائج لها وجهان:

  1. على الصين: تؤدي الرسوم إلى تقليص معدلات النمو الاقتصادي وتقويض قدراتها التنافسية، لكنها دفعتها إلى تنويع شراكاتها التجارية وتعزيز تعاونها مع دول أخرى مثل أوروبا وجنوب شرق آسيا.
  2. على الولايات المتحدة: ارتفاع التعريفات الجمركية يؤدي لزيادة أسعار السلع المستوردة، مما يرفع معدلات التضخم ويضع عبئًا إضافيًا على المستهلك الأمريكي.

التوقعات المستقبلية

مع إعلان ترامب نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، يتوقع أن يشهد العالم جولة جديدة من التصعيد التجاري. ترامب وعد بفرض تعريفات جمركية بنسبة 60% على جميع الواردات الصينية. ومن جهتها، تستعد الصين بخطط مضادة لتخفيف تأثير هذه السياسات.


التداعيات العالمية

الحرب التجارية بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم لها تأثيرات تتجاوز حدودهما:

  1. على أوروبا: تواجه القارة العجوز تحديًا مزدوجًا يتمثل في التعامل مع التعريفات الأمريكية المرتفعة ومحاولة الاستفادة من الفراغ التجاري الذي تتركه الولايات المتحدة.
  2. على بريطانيا: بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، تسعى لندن لاتخاذ موقف متوازن بين التكتلات الكبرى، مع احتمالية السعي لاتفاق منفصل مع واشنطن.
  3. على الاقتصاد العالمي: يتوقع صندوق النقد الدولي أن هذه الحرب ستؤدي لتراجع الاقتصاد العالمي بنسبة 7%، ما يعادل حجم الاقتصادين الفرنسي والألماني مجتمعين.

خاتمة

العالم أمام أربع سنوات من الصراعات الاقتصادية المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، مع انعكاسات واضحة على التضخم وزيادة الأسعار عالميًا. بينما تسعى كل من القوتين لتثبيت هيمنتها، يبقى المستهلك العالمي هو المتضرر الأكبر في هذا الصراع.

أكتب تعليقك ورأيك